نرجو توضيح الدعوة عند سلف هذه الأمة وما معنى الحكمة ؟

الزيارات:
6378 زائراً .
تاريخ إضافته:
17 صفر 1433هـ
نص السؤال:
قال الله تعالى : " ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " فنرجو توضيح الدعوة عند سلف هذه الأمة ومامعى الحكمة ؟
نص الإجابة:
إننا إذا نظرنا إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلى دعوته نجده رؤوفاً رحيماً : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ " [ التوبة : 128 ] ، " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " [ آل عمران : 159 ] ، " وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ " [ القلم : 4 ] .
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتألف الناس ، تارة يتألفهم بحسن الخلق ، وأخرى يتألفهم بالمال إن كان يجد ، وهو القائل : " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، ولكن سعوهم بأخلاقكم " ، وتارة يتألفهم بالكلام الطيب كما سمعتم .
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان يتألفهم ربما استعمل الشدة : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " [ التوبة : 73 ] فربما استعمل الشدة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فربّ شخص يقول كلمة عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويغضب عليه لكن في الغالب أننا نرى أنه يغضب على من قوي إيمانه وهو يستطيع أن يتحمل ، فعند أن أطال معاذ بن جبل رحمه الله تعالى ورضي عنه عند أن أطال الصلاة فخرج رجل من الصلاة وصلى منفرداً ، ثم اُخبر معاذٌ بهذا ، فقال معاذ : إنه منافق ، فذهب الرجل يشكو معاذاً عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فغضب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غضباً ، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " أفتنانٌ أنت يا معاذ " ، هكذا يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وكما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأله رجل عن ضالة الغنم ، فقال : " هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب " ، ثم سأله عن ضالة الإبل ، فغضب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال : " مالك ولها ، معها حذاءها وسقاءها " غضب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمر أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل عند أن أرسلهما إلى اليمن ويقول لهما : " بشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " .
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند أن همّ الصحابة أن يضربوا الأعرابي الذي بال في المسجد ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " إنما بعثم ميسرين ، ولم تبعثوا منفرين " هكذا يقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فلا بد أن يستعمل الرفق واللين في موضعة ، ولا بد أن يستعمل العنف والشدة في مواضعها حتى لا نكون متشددين ، ولا نكون مائعين ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والداعي إلى الله في هذا الزمن يكفيه أن يُحسن خلقه ، لا يحتاج أن يُبذل مالاً للناس لأن الناس قد شعروا بالخطورة ، الناس في كثير من الأقطار اللإسلامية قد شعرت بالخطورة ، حتى إن بعض الدول تُحارب الدعوات فتزيد الدعوة إنفجاراً ، وتالله لقد أخبرني بعض القادمين من بعض الأقطار الإسلامية يقول : السجون تملئ والإنفجارات الإسلامية من جانب آخر تنفجر ، رحمةٌ ربانية ، لا بسبب فصاحة الدعاة ، ولا بسبب جهد الدعاة ، ولا بسبب كثرة الدعاة ، لكن الناس عندهم إقبال في هذا الزمن عجيب ، يكفي الداعي إلى الله أن يُحسن خلقه ، وأن يُبلغ ما جاء عن الله ، وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والمشدد الذي يشدد يعتبر مسيئ إلى نفسه ، ومسيئ إلى إخوانه ، ومسيئ إلى الإسلام ، إلى هذه الأمور ، كيف يسيئ إلى إخوانه ؟ يحرمهم الخير ، كيف يُسيئ إلى نفسه ؟ يُحرم نفسه الأجر ، كيف يسيئ إلى الإسلام ؟ نحن مأمورون إلى تحبيب الإسلام إلى الناس ، لسنا مأمورين أن ننفر ، ولكن إخواني في الله من شدد فليشدد على نفسه ، وأنت عليك نفسك ، عليك أن تحرص على اقتناء الكتب القيمة ، ودع المتشددين وتشددهم ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لن يُشاد الدين أحدٌ إلا غلبه " ، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للثلاثة النفر الذين سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكأنهم تقالوها ، فقال أحدهم : أما أنا فأقول الليل ولا أفتر ، وقال الآخر : فأصوم ولا أفطر ، وقال الآخر أما أنا فلا أتزوج النساء ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " أنتم القائلون كذا وكذا ، أما والله إني أخشاكم لله وأعلمكم به ، ولكني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب من سنتي فليس مني " .
رب العزة يقول في كتابه الكريم : " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ " [ النساء : 171 ] ، لكن هنا شيء أريد أن أنبه عليه : ليس من التشدد أن أقول : إن حلق اللحية حرام ، هذا ليس من التشدد يا إخواني في الله ، من التشدد أن أقاطعك من أجل حلق اللحية وأعتبرك عدواً لي ، هذا يعتبر تشدداً ، أما إذا أعتبرتك أخاً لي في الله ، وأعتبرتك عاصياً وأسأل الله لك الهداية والتوفيق ويكون ذلكك من الإشفاق عليك ، أريد أن أنبه لإخواني في الله أن بعض الأشياء يتوهمها بعض الناس تشدداً وليس وليس بتشدد .
القصد أن الإلتزام بالسنة لا يعتبر تشدداً ، الزيادة على السنة تعتبر غلواً ، وليس أيضاً من التشدد أن أقول لك : إن تصوير ذوات الأرواح محرم ، أنت أخي في الله تعتقد أنها حلال ، فإن كانت عقيدة فيما بينك وبين الله فأنا أعتبرك مخطئ فقط ، وإن كنت مجادلاً ومعانداً فأمرك إلى الله ، أقصد ليس من التشدد التصريح بالحق ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا " [ الأنعام : 152 ] ، ويقول أبو ذر رضي الله عنه : أمرت أن أقول الحق ولو كان مراً ، فيمكن أن تقول الحق ، وأن تُحسن إلى إخوانك الطيبيين ، فإن الناس الآن بحمد الله قد عرفواً كثيراً من المحرمات ، وقد عرفوا كثيراً من الشركيات ، وقد عرفوا كثيراً من البدع ، والفضل في هذا لله سبحانه وتعالى ، حتى أنه أصبح كثيرٌ من الناس الذين يرتكبون بعض المحرمات يعترفون بهذا ، ويقولون : نسأل الله أن يتوب علينا ، ونحن أيضاً نسأل الله أن يتوب عليهم ، وأن يوفقهم ، وأن يصلح قلوبنا جميعاً ، ونسأل الله التوفيق والسداد .
فينبغي أن يُعلم يإخواني في الله أن الداعي إلى الله يُصيب ويُخطئ ، ويجهل ويعلم ، إذن ليس بمعصوم ، ألا تعلمون بأنني بحمد الله منذ زمن وأنا أعرف الذكر الذي يقال عند باب المسجد فربما دخلت المسجد ونسيته ، هذا يدل على تحريم التقليد ، ما يجوز للمسلم أن يقلد أحداً ، خذ دينك بالدليل ، كما قال الأعرابي : يا محمد إني سآئلك فمشدد عليك بالمسالة فلا تجد عليّ في نفسك ، خذ دينك بالدليل ، فإن وجدت من يقنعك بالدليل لأنك ربما لا تجد في هذا الزمان من يقنعك بالدليل اللهم إلا عالمان فاضلين أعرفهما : الشيخ عبدالعزيز والشيخ ناصر الدين الألباني .
آتي لكم بمثال : شابٌ من حفظة القرآن أتى إليّ وقد علم أنني أحارب التقليد وأتى إلي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والشاب متحنبل حنبلي ، فقال : يا أخي أريد أن أناقشك في هذه المسألة ، فتناقشت أنا وهو فلم أستطع أن أقنعه لأنه ذكي ومطلع ، لكنه ذهب هو نفسه وأخبرني أنه اشترى كتاب ( أعلام الموقعين ) للحافظ ابن القيم واقتنع هو نفسه بأن التقليد لا يجوز في دين الله .
فأنصح إخواني في الله إذا لم تجدوا علماء يقنعونكم ويستطيعون أن يقيموا البراهين والحجج الواضحة أنصحهم بالرجوع إلى كتب العلم من أجل أن تأخذوا الماء من منبعه ، ومن أجل أن تأخذوا الحق من موطنه .

----------------------------

من شريط : ( الصلاة على النبي )

تصنيف الفتاوى

تفريع التصنيف | ضم التصنيف