أما الخوارج فهم أخطئوا في فهم الأدلة خطأ أوجب ضلالهم ، فهم كفروا علي بن أبي طالب ، وكفروا معاوية كما قال قائلهم :
أبرأ إلى الله من عمرو وشيعته ومن علي ومن أصحاب صفين
ومن معاوية الطاغي وشيعته لا باراك الله في القوم الملاعين
فقد كفروا خيار الصحابة في عصرهم ، فقد أجمع العلماء أن علي بن أبي طالب خير صحابة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في عصره - أي في وقت خلافته - وكان أحق بالخلافة ، وفي قولهم : " إن الحكم إلا لله " ثم إن علي بن أبي طالب سئل : أكفار هم يا أمير المؤمنين ؟ قال : من الكفر فروا ، كما في ( تعظيم قدر الصلاة ) لمحمد بن نصر المروزي .
فالخوارج خروجهم خروج عقدي ، وهكذا منهجي خاطئ ، وعلي بن أبي طالب لم يقاتلهم حتى قتلوا عبدالله بن خباب وقطعوا الطريق ، فراسلهم وأرسل إليهم ابن عباس فرجع منهم خلق كثير وبقي منهم من بقي ، وعند أن وصل إليهم ابن عباس قالوا : إن هذا ممن قال الله فيهم : " بل هم قوم خصمون " أي : من قريش فلا تجادلوه ، ثم جادلوه واقتنعوا ورجعوا عن العقيدة الخارجية ، والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول فيهم : " إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " ، ويقول : " إنهم كلاب أهل النار " .
فخروجهم خروج منهجي وخروج عقدي ، وأما قتال علي بن أبي طالب لهم فلكونهم ابتدءوا ولكونه يتوقع منهم شراً ، ويقول علي بن أبي طالب : لا يتبع مدبرهم ، ولا يجهز على جريحهم ، ولا تسبى نساؤهم ، ولا يؤخذ فيؤهم ، فهذا دليل على أنهم مسلمون ضلوا عن السبيل .
بقي هل إذا خالف الشخص منهج السلف أهو اختلاف أفهام ؟ لا ، اختلاف الأفهام مثل اختلاف أفهام الصحابة : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريضة " فبعضهم قال : إن الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقصد من هذا التعجيل ، فنصلي ونذهب ، وبعضهم ما وصل إلى بني قريضة إلا وقد غربت الشمس ثم صلى العصر وبعده المغرب ، ومثل اختلاف العلماء في قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " إذا استيقظ أحدكم فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً " هل النهي للتحريم وهل ينجس الماء أم النهي للكراهة والأصل هو الطهارة ؟
فقد اختلف العلماء السابقون في مثل هذا ، أما أن يقول : إن الله ليس مستوياً على عرشه ، فهذا يعتبر مبتدعاً ضالاً مخطئاً لا يجوز أن يتبع على خطئه ، وأن ينفي بعض صفات الله فهو يعتبر مبتدعاً ، ولا يجوز أن يتبع على خطئه .
وانظر إلى الاخوان المفلسين بسبب انحراف المنهج كيف رحبوا بالوحدة مع الشيوعيين بعد أن كانوا يقولون : إنها لا تجوز وإنها كفر ، وكيف عقدوا ميثاق الشرف مع عشرة أحزاب ألا يتكلم بعضهم على بعض ولا يكفر بعضهم بعضاً ، وكيف رحب بعض خطبائهم بالديمقراطية ، وكيف نسقوا مع حزب البعث والحزب الناصري ، فكل هذا أتاهم من فساد المنهج .
ونحن إذا تكلمنا عليهم لا نتكلم من أجل أن فيهم من يحلق لحيته أو فيهم من يلبس البنطلون أو يتشبه لأعداء الإسلام ففي المجتمع من هو شر منهم ، بل نتكلم عليهم أنهم يدعون الناس باسم الاسلام ، ثم يغرونهم بالضلال ويا له من خزي وياله من سود وجوه : ستسودون وجوهكم إذا كنتم تمنون الناس بالدولة الإسلامية ثم تصوتون لفلان وفلان ، وبعد الانتخابات ستظهر الحقائق .
-------
راجع كتاب غارة الأشرطة ( 1 / 76 - 78 )